نبذة عن الحكمة والمثل عند العرب

الحكمة والمثل عند العرب
العرب كغيرهم من الشعوب الشرقية عامة والسامية خاصة جيل شديد الميل إلى إرسال الحكمة وضرب المثل وهما على لسانهم في كل حال . يدعمون بهما الأقوال ويعللون بهما الأعمال فيذرونهما عند كل فرحة وترحة. ويوردونهما في جميع أحداثهم وما يقصون من اجتماعهم وحياتهم .حتى لتصبح الأمثال والحكم لديهم من ذخائر الدهر .ومن سنن الحياة ومن أكاليل الشيخوخة ومن الأمور المعول عليها في تنظيم الشؤون البيتية والقبلية والقومية .وللحكمة والمثل عند العرب محل واسع في التقدير قال ابن عبد ربه في العقد: قد مضى قولنا في العلم والأدب وما يتولد منهما وما ينسب إليهما من الحكم النادرة والفطن البارعة ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الأمثال التي هي وشي الكلام وجوهر اللفظ وحلى المعاني فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يسير شيء مسيرها ولا عم عمومها حتى قيل أسير من مثل
وقال الشاعر :
ما أنت إلا مثل سائر يعرفة الجاهل والخابر

وقد ضرب الله عز وجل الأمثال في كتابه وضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم . في كلامه قال الله عز وجل
((يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) وقال : (( وضرب الله مثلا ً رجلين ))
وجاء في المناظرة التي جرت بين النعمان والمنذر وكسرى وشروان في شأن العرب ما يلي : قال النعمان :
وأما الأمم التي ذكرت فأية أمة تقرنها بالعرب إلا فضلها قال كسرى بماذا ؟ قال النعمان : بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وأما حكمة ألسنتهم فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم بالأشياء وضربهم للأمثال وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ومن ثم ترى أن الحكمة والمثل من موضوعات فخر العرب لأنهما دليلا الحصافة والفهم . ولا عجب في ذلك فإنهما كما قلنا سابقاً فلسفة الحياة الأولى وعصارة خبرة الدهور وخلاصة نور العقل ونور اليقين بل أنهما عينا النفس العربية ومرآة ما يجول فيها وطريق الأستقامة إلى المثل العليا .
ولذلك عنى علماء العرب من أدباء ولغويين ومؤرخين ومفكرين بجمع تلك الأمثال وتفسيرها ودراستها . فوضع المفضل الضبى (786م) كتاب الأمثال الذي طبع في الآستانة سنة (1300) للهجرة ووضع أبو عبيد القاسم بن سلام الهروى البغدادي(837) م كتاب الأمثال الذي طبع منه قسمان الثامن والسابع عشر مع ترجمة لاتينية بعناية الأستاذ برتو غوطا سنة (1836)م ثم طبع كله في مجموعة التحفة البهية والطرف الشهية الآستانة سنة 1302 للهجرة وجمع حمزة الأصفهاني (960) م عدداً كبيراً من الأمثال في كتاب لا يزال مخطوطاً ومحفوظاً في مكتبة ميونيخ وكان كتاب الأصفهاني من المصادر الرئيسية التي رجع إليها وأخذ عنها كل من كتب بعده في هذا الموضوع وقد نقل عنه الميداني قسماً كاملاً جعله في كتابه (( مجمع الأمثال )) للميداني في مصر سنة 1310 للهجرة ووضع أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن أبراهيم الميداني النيسابوري ((1124م)) كتاب ((مجمع الأمثال)) وهو ستة آلاف مثل ونيف طبع في بون سنة 1838م في ثلاثة أجزاء وجعل تحت كل مثل ترجمة باللاتينية للعلامة فريتاغ وطبع في بولاق سنة 1284 هجري باعتناء محمد الصباغ ومحمد قطة العدوى وفي طهران سنة 1290 هجري ورتبه الشيخ حسين بن أبي بكر الملقب بالنجمي الكرماني وطبع في مصر بالمطبعة الخيرية سنة1310 هجري في جزأين وبهامشهما كتاب (جمهرة الأمثال) وقد عد كتاب الميداني المرجع الأكبر في هذا الموضوع . وقد اهتم غير من ذكرنا بالأمثال والحكم عدد وافر من الأدباء والعلماء كالماوردي (1058م) صاحب أدب الدنيا والدين والشيخ إبراهيم الأحدب (1890م) صاحب تفصيل اللؤلؤ والمرجان في فصول الحكم والبيان وفرائد اللآل في نظم مجمع الأمثال
قال شوقي ضيف في كتابه: الفن ومذاهبه في النثر العربي . وقد درج كل من ألفوا الأمثال على أن يرتبوها حسب حروفها الأولى على نحو ما ترتب المعاجم الفاظها ولذلك نراهم يوزعونها عادة على تسعة وعشرين باباً بعدد أبواب الحروف الهجائية ثم بعد هذا التوزيع يفسرونها ويقصون أحياناً حوادثها التي جاءت فيها معتمدين على ضروب من الظن والتخمين مما جعل الأستاذ نيكلسون يزعم أن قيمة الأمثال محدودة بالنسبة للعصر الجاهلي وبين عصر هؤلاء المفسرين وأنه لينبغي أن نثني على صنيعهم ولكن مع شيء من الحذر في الأخذ في تفسيرهم وقصصهم مادمنا نتهم القصص الجاهلي عامة وما نسب إلى عرب الجاهلية من أخبار وأحداث وهكذا نظر العرب إلى الأمثال والحكم نظر اهتمام كلي وهكذا صرفوا في جمعها وترتيبها وتفسيرها جهوداً لا تقدر وإن من أجال فيها الفكر يجد أن لكثير منها صلة وثيقة بالبيئة الزمانية والمكانية وأن لتلك البيئة أهمية كبرى في فهمها وتفسيرها وقد غابت أصول بعض الأمثال التاريخية وضاعت من ثم المعالم في استكشاف فحاويها فظلت غامضة يتيه الشراح في مسالكها فيعمدون إلى التأويل والحدس ويخبطون في التعليق عليها خبط العشواء وللأمثال العربية مصادر مختلفة فمنها ما ينتسب إلى البادية ومنها ما ينتسب إلى مكة والمدينة والحيرة والبصرة والكوفة وواسط وحمص في سوريا ومنها ما هو من أصل نصراني يتصل بالأنجيل المقدس أوبسائر الكتب الدينية المسيحية ومنها ما هو من أصل غريب عن كل ما ذكرته تقلبت به الأيام من أمة إلى أمة ومن شعب إلى شعب فتلقفه العرب وصاغوه بقالب عربي صميم وقد انطوت الأمثال على أحداث تاريخية كثيرة منها الهام كحرب البسوس ومنها الضئيل الذي لا أبته له وهكذا كانت سجلاً ضخماً للغث والسمين من الأحداث والمعاني وهكذا كانت على كل حال ذات قيمة تاريخية واجتماعية وفلسفية وأدبية

جزاك الله كل خير
تقبل خالص تحياتى

جزانا وإياكم تقبلي خالص تحياتي وتقديري

جزاك الله خيرا موضوع فوق الرائع

تسلم ابن أخي وشكراً على تقييمك المميز

العفو عمى

» الصمت هو أرفع انواع الحكمة